سورة الأعراف - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأعراف)


        


قوله تعالى: {فوسوس لهما الشيطان} قيل: إن الوسوسة: إخفاء الصوت، قال ابن فارس: الوسواس: صوت الحلي، ومنه وسواس الشيطان. و{لهما} بمعنى إليهما، {ليبدي لهما} أي: ليظهر لهما {ما ووري عنهما} أي: ستر. وقيل: إن لام {ليبدي} لام العاقبة؛ وذلك أن عاقبة الوسوسة أدت إلى ظهور عورتهما، ولم تكن الوسوسة لظهورها.
قوله تعالى: {إلا أن تكونا ملَكين} قال الأخفش، والزجاج: معناه: ما نهاكما إلا كراهة أن تكونا ملَكَين. وقال ابن الانباري: المعنى: إلا أن لا تكونا، فاكتفى ب أن من لا فأسقطها. فان قيل: كيف انقاد آدم لإبليس، مستشرفاً إلى أن يكون ملكاً، وقد شاهد الملائكة ساجدة له؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنه عرف قربهم من الله، واجتماع أكثرهم حول عرشه، فاستشرف لذلك، قاله ابن الأنباري.
والثاني: أن المعنى: إلا أن تكونا طويلَي العمر مع الملائكة {أو تكونا من الخالدين} لا تموتان أبداً، قاله أبو سليمان الدمشقي. وقد روى يعلى بن حكيم عن ابن كثير: {أن تكونا ملِكين} بكسر اللام، وهي قراءة الزهري.


قوله تعالى: {وقاسمهما} قال الزجاج: حلف لهما فدلاَّهما في المعصية بأن غرَّهما.
قال ابن عباس: غرَّهما باليمين، وكان آدم لا يظن أن أحداً يحلف بالله كاذباً.
قوله تعالى: {فلما ذاقا الشجرة} أي: فلما ذاقا ثمر الشجرة. قال الزجاج: وهذا يدل على أنهما إنما ذاقاها ذواقاً، ولم يبالغا في الأكل. والسوأة: كناية عن الفرج، لا أصل له في تسميته. ومعنى: {طفقا} أخذا في الفعل؛ والأكثر: طفِق يَطْفَقُ، وقد رويت: طفقَ يَطْفِقُ، بكسر الفاء ومعنى {يخصفان} يجعلان ورقة على ورقة، ومنه قيل للذي يرقع النعل: خصاف.
وفي الآية دليل على أن إظهار السوأة قبيح من لدن آدم؛ ألا ترى إلى قوله: {ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما} فانهما بادرا يستتران لقبح التكشف. وقيل: إنما سميت السوأةُ سوأةً لأن كشفها يسوء صاحبها. قال وهب بن منبه: كان لباسهما نوراً على فروجهما، لا يرى أحدهما عورة الآخر؛ فلما أصابا الخطيئة، بدت لهما سوءاتهما. وقرأ الحسن: {سوأتُهما} على التوحيد؛ وكذلك قرأ {يِخِصّفان} بكسر الياء والخاء مع تشديد الصاد. وقرأ الزهري: بضم الياء وفتح الخاء مع تشديد الصاد. وفي الورق قولان:
أحدهما: ورق التين، قاله ابن عباس.
والثاني: ورق الموز، ذكره المفسرون. وما بعد هذا قد سبق تفسيره إلى قوله: {قال فيها تحيون} يعني الأرض. واختلف القراء في تاء {تخرجون}، فقرأ ابن كثير، وعاصم، وأبو عمرو: بضم التاء وفتح الراء، هاهنا؛ وفي الروم {وكذلك تُخرجون} [الروم: 19] وفي الزخرف {كذلك تُخرجون} [الزخرف: 11] وفي الجاثية {لا يُخرَجون منها} [الحاثية: 35] وقرأهن حمزة، والكسائي: بفتح التاء وضم الراء. وفتح ابن عامر التاء في الاعراف فقط. فأما التي في الروم {إذا أنتم تخرجون} [الروم: 25] وفي {سأل سائل} {يوم يخرجون} [المعارج: 43] فمفتوحتان من غير خلاف.


قوله تعالى: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً} سبب نزولها: أن ناساً من العرب كانوا يطوفون بالبيت عراةً، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد. وقيل: إنه لما ذكر عري آدم، منّ علينا باللباس. وفي معنى: {أنزلنا عليكم} ثلاثة أقوال.
أحدها: خلقنا لكم. والثاني: ألهمناكم كيفية صنعه. والثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباساً. وأكثر القراء قرؤوا: {وريشاً}. وقرأ ابن عباس، والحسن وزرّ بن حبيش، وقتادة، والمفضل، وأبان عن عاصم: {ورياشاً} بألف. قال الفراء: يجوز أن تكون الرياش جمع الريش، ويجوز أن تكون بمعنى الريش كما قالوا: لِبس، ولباس.
قال الشاعر:
فلما كَشَفْنَ اللِّبْس عنه مَسَحْنَهُ *** بأطراف طَفْل زانَ غَيْلاً مُوَشَّماً
قال ابن عباس، ومجاهد: الرياش: المال؛ وقال عطاء: المال والنعيم. وقال ابن زيد الريش: الجَمال؛ وقال معبد الجهني: الريش: الرزق؛ وقال ابن قتيبة: الريش والرياش: ما ظهر من اللباس. وقال الزجاج: الريش: اللباس وكل ما ستر الإِنسان في جسمه ومعيشته. يقال: تريَّش فلان، أي: صار له ما يعيش به. أنشد سيبويه:
رياشي منكُم وهوايَ مَعْكُمْ *** وإن كَانَتْ زيارتُكم لِماما
وعلى قول الأكثرين: الريش والرياش بمعنى. قال قطرب: الريش والرياش واحد. وقال سفيان الثوري: الريش: المال، والرياش: الثياب.
قوله تعالى: {ولباس التقوى} قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وعاصم، وحمزة: {ولباسُ التقوى} بالرفع. وقرأ ابن عامر، ونافع، والكسائي: بنصب اللباس. قال الزجاج: من نصب اللباس، عطف به على الريش؛ ومن رفعه، فيجوز أن يكون مبتدأً، ويجوز أن يكون مرفوعاً باضمار: هو؛ المعنى: وهو لباس التقوى، أي: وستر العورة لباس المتقين. وللمفسرين في لباس التقوى عشرة أقوال.
أحدها: أنه السمت الحسن، قاله عثمان بن عفان؛ ورواه الذيَّال بن عمرو عن ابن عباس.
والثاني: العمل الصالح، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثالث: الإيمان، قاله قتادة، وابن جريج، والسدي؛ فعلى هذا، سمي لباس التقوى، لأنه يقي العذاب.
والرابع: خشية الله تعالى، قاله عروة بن الزبير.
والخامس: الحياء، قاله معبد الجهني، وابن الانباري.
والسادس: ستر العورة للصلاة، قاله ابن زيد.
والسابع: انه الدرع، وسائر آلات الحرب، قاله زيد بن علي.
والثامن: العفاف، قاله ابن السائب.
والتاسع: أنه ما يُتَّقى به الحر والبرد، قاله ابن بحر.
والعاشر: أن المعنى: ما يَلْبَسه المتقون في الآخرة، خير مما يلبسه أهل الدنيا، رواه عثمان ابن عطاء عن أبيه.
قوله تعالى: {ذلك خير} قال ابن قتيبة: المعنى ولباس التقوى خير من الثياب، لأن الفاجر، وإِن كان حسن الثوب، فهو بادي العورة؛ و{ذلك} زائدة. قال الشاعر في هذا المعنى:
إنِّي كأنِّي أرَى مَنْ لا حَياءَ لَه *** وَلاَ أمَانَةَ وَسْطَ القَوْمِ عُريانا
قال ابن الانباري: ويقال لباس التقوى، هو اللباس الأول، وإنما أعاده لِما أخبر عنه بأنه خير من التعرِّي، إذ كانوا يتعبدون في الجاهلية بالتعرِّي في الطواف.
قوله تعالى: {ذلك من آيات الله} قال مقاتل: يعني: الثيابُ والمالُ من آيات الله وصنعه، لكي يذّكروا، فيعتبروا في صنعه.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9